• ١٩ تموز/يوليو ٢٠٢٤ | ١٢ محرم ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مفاهيم الفدرالية والإقليم واللامركزية وتشكيل مستقبل العراق

باسم حسين الزيدي

مفاهيم الفدرالية والإقليم واللامركزية وتشكيل مستقبل العراق

قد لا نبالغ إذا قلنا إنّ العراق قد جرب معظم أشكال الأنظمة السياسية في الحكم خلال الفترات المتعاقبة لتاريخه السياسي (بخلاف بعض الدول التي ما زالت تشهد استقراراً في نظامها السياسي وحكوماتها المتعاقبة)، وبعد صراع طويل ومرير مع الأنظمة المستبدة والشمولية التي توالت على الحكم وجربت معظم نظرياتها الدينية والقومية (الوحدوية) والأيديولوجية، تحول نظام الحكم إلى قالب آخر من قوالب الحكم، المحاكي لمفهوم الديمقراطية واللامركزية ونظام الدولة الإتحادية (الفدرالية) التي تسمح بتشكل الأقاليم، وإعطاء دور أوسع لحكوماتها المحلية ومجالسها البلدية التي يكفلها الدستور بعد تحديد الصلاحيات والحقوق والواجبات التي تتمتع بها جميع هذه المؤسسات، مثلما يتمتع بها مواطني هذه الأقاليم.

 وهذا هو الفرق الجوهري بين الحكومة المركزية والحكومة الإتحادية (اللامركزية)، حيث يشير "روبرت ماكيفر" إلى أنّ "للحكومة الوحدوية سلطة مركزية يعود إليها إتخاذ جميع القرارات السياسية، وليس للإتحاد الفدرالي مثل هذا التركز السلطوي، فالإتحاد يتألف من دول تحتفظ ببعض حقوق السيادة، وهذا هو حال "الدول" أو الولايات المتحدة الأمريكية حيث تحتفظ كلّ دولة بمحاكمها وبقوانينها الجناية، وأحكام هذه المحاكم غير قابلة للاستئناف، وللحكومة الإتحادية الفدرالية مواطنية مزدوجة: مواطنية عامة تحق لشعب دول الإتحاد ككلّ، ومواطنة تستقل بها كلّ دولة من هذه الدول"، ومع انّ العراق لم يصل إلى هذا المستوى حتى الآن (باستثناء إقليم كردستان)، إلّا انّ الأصوات المطالبة بإقامة المزيد من الأقاليم (في البصرة وبغداد وكربلاء والأنبار)، وتفعيل نظام الفدرالية بمعناها الموسع، قد ارتفعت كثيراً في الآونة الأخيرة، وانقسم الشعب العراقي بين مؤيد ومعارض لهذه الأصوات، الأمر الذي تطلب تسليط المزيد من الضوء على مفاهيم ومعاني وتطبيقات الإقليم والفدرالية، ومدى فائدتها بالنسبة للعراق، حتى يتسنى لنا الحكم على الفريقين بصورة حيادية وموضوعية بعيداً عن العواطف والقرارات الآنية.

الفدرالية

تعرف الفدرالية (أو الإتحادية) على أنّها شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستورياً بين حكومة مركزية (أو حكومة فيدرالية أو إتحادية) ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة، أما الأقاليم والولايات فهي تعتبر وحدات دستورية لكلّ منها نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم، أو الجهات أو الولايات منصوصاً عليه في دستور الدولة بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية.

والفيدرالية مصطلح لاتيني مشتق من الكلمة اللاتينية (feodvc) ومعناها المعاهدة أو الاتفاق، وفي قامون لويس اللاتيني تعرف الفيدرالية بأنّها عصبة (Legve) أو اتفاق بين طرفين أو أكثر (Treaty) أو ميثاق (compact) أو تحالف (alliance) وعقد (contract) والكلمة اللاتينية (feodvc) من أصل مشترك لكلمة (fides) أي الثقة وكلمة (bind) أي الارتباط.

اما اصطلاحاً فقد عرفها جيمس ماديسون أستاذ النظم السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية بأنّها نظام توزيع الصلاحيات بين حكومتين أو أكثر تمارس السلطة على مجموعة من الناس نفسها وعلى الإقليم الجغرافي ذاته، وقد يذهب آخرون إلى تعريف الفيدرالية باعتبارها نظام سياسي وقانوني تعتمده الدول في تقسيم السلطات بين حكومات محلية وإتحادية، وانّ مفهوم الفيدرالية وآلية تطبيقها تختلف من دولة لأخرى بحسب اختلاف الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة فيها، والدولة الفيدرالية دولة حقيقية واحدة تمتلك مقومات السيادة، جيش واحد بقيادة واحدة، سياسة خارجية واحدة، تمثيل دبلوماسي واحد، اقتصاد واحد... إلخ، مثلما لا يوجد في الفدراليات ما يسمح بانفصال الفيدرالية وخروجها من الاتحاد، وللفدرالية أنواع عديدة منها التعاونية والمتساهلة والمتباينة والمناطقية وغيرها، والتي تطورت بحسب الظروف الخاصة للبدان التي ترعرعت فيها وصاغت معظم قوالبها السياسية والقانونية.

بقي أن نشير إلى مسألة مهمة وهي انّ التمييز بين الدولة الفدرالية والدولة الأحادية ليس بالأمر البسيط، فالدولة الأحادية قد تشبه الفدرالية في البنية الإدارية، ورغم أنّ الحكومة المركزية قد تملك الحقّ نظرياً في سحب الحكم الذاتي عن إقليم يتمتع به، فإنّ الأمر قد يكون شديد الصعوبة سياسياً، بل إنّ بعض الجهات المتمتعة بالحكم الذاتي في دول أحادية كثيراً ما تتوفر على صلاحيات أوسع مما توفره بعض الفدراليات، ولهذه الأسباب، يجادل البعض بأنّ بعض الدول الأحادية المعاصرة هي فدراليات بحكم الواقع، ويعتقد أنّ 40% من سكان العالم يعيشون في ظل أنواع مختلفة من الفدرالية.

الإقليم

حاليا لا يوجد في العراق سوى إقليم واحد (كردستان) يتمتع بالخصائص والمميزات التي منحت للإقليم ضمن فدرالية العراق، ويرى خبراء ان الوضع الاستثنائي لإقليم كردستان جعل منه (فوق الإقليم ودون الدولة)، وهذا الوضع لم يأتي بصورة مفاجأة بل تناولت الكثير من المعاهدات والقوانين السابقة العلاقة بين الأنظمة القائمة في العراق آنذاك، وبين كردستان العراق، فمعاهدة سايكس-بيكو، معاهدة سيفر ومعاهدة لوزان والوثائق المودعة لدى عصبة الأمم عن العراق والدستور العراقي المؤقت الصادر في عهد "عبد الكريم قاسم" (شراكة الكرد والعرب في العراق) واتفاقية 11 آذار 1970 وقانون الحكم الذاتي لمنطقة كردستان الصادر في آذار 1974، كانت أمثلة على ذلك، إلّا انّ قانون إدارة الدولة للفترة الانتقالية الذي صدر عام 2004، هو من فتح الباب واسعاً في العراق لأمرين مهمين: أولهما انّه وضع حجر الزاوية لفدرالية العراق والاعتراف بوجود إقليم كردستان (الذي سيتم الاعتراف به بصورة نهائية في دستور عام 2005) كإقليم يتمتع بوجوده القانوني ضمن العراق الإتحادي، والثاني انّه فتح الباب إمام المزيد من الأقاليم داخل العراق، فقد تضمن هذا القانون في المادة الرابعة منه ما يأتي (نظام الحكم في العراق جمهوري إتحادي فيدرالي ديمقراطي تعددي ويجري تقاسم السلطة فيه بين الحكومة الإتحادية والحكومات الإقليمية والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية ويقوم النظام الإتحادي على أساس الحقائق الجغرافي والتاريخية والفصل بين السلطات وليس على أساس الأصل أو العرق أو الاثنية أو القومية أو المذهب).

وبعد صدور الدستور العرقي الدائم لسنة 2005 كان النظام الفيدرالي أحد المرتكزات الأساسية التي بني عليها الدستور وقد نصت المادة الأولى منه على ما يأتي (جمهورية العراق دولة إتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة نظام الحكم فيها جمهوري نيابي "برلماني" ديمقراطي وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق)، كما خصص الباب الثالث من الدستور لبيان تشكيل السلطات الإتحادية وصلاحياتها، كما انّ الدستور قد أقر تشكيل "إقليم كردستان" الذي كان تشكل فعلياً قبل إقرار الدستور وفي زمن النظام السابق وذلك بموجب نص المادة (117) التي تضمنت ما يأتي: (أولاً: يعتبر هذا الدستور عند نفاذة إقليم كردستان وسلطاته القائمة إقليماً اتحادياً، ثانياً: تعتبر هذا الدستور الأقاليم الجديدة التي تؤسس وفقاً لأحكامه)، وهذا يعني أنّ الدستور لا يقصر الفيدرالية على إقليم كردستان فقط بل انّ الدستور أجاز تشكيل أقاليم جديدة في العراق في المستقبل حيث فتح الحقّ لكلّ محافظة أو أكثر تكوين إقليم وذلك حسب نص المادة (119) التي تضمنت ما يأتي يحقّ لكلّ محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناءً على طلب بالاستفتاء عليه يقدم بأحد طريقتين:

أولاً: طلب من ثلث الأعضاء في كلّ مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم.

ثانياً: طلب من عشر الناخبين في كلّ محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم.

اما المادة (118) من الدستور فقد نصت على ضرورة تشريع قانون بين الإجراءات التنفيذية لتكوين الأقاليم حيث نصت على ما يأتي (يسن مجلس النواب في مدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ أول جلسة له قانوناً يحدد الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم بالأغلبية البسيطة للأعضاء الحاضرين)، وتنفيذاً لهذا النص الدستور فقد أصدر مجلس النواب قانون (الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم) رقم 13 لسنة 2008 الذي بين وبشكل تفصيلي الاجراءات اللازمة للمحافظات لتشكيل إقليم أو الانضمام إلى أقاليم مشكلة (3).

طبعاً يمكن القول إنّ الاختصاصات وتوزيع السلطات بين المركز والإقليم تختلف بحسب دساتير وقوانين كلّ دولة عن الأخرى، لكن بالمجمل فانّ هناك اختصاصات حصرية كفلها الدستور للحكومة الإتحادية، فيما تكون هناك سلطات وصلاحيات من حقّ الإقليم، بينما تبقى هناك سلطات مشتركة بين الإقليم والمركز.

اللامركزية

تعرف اللامركزية بأنها (درجة عدم تركيز السلطة، أي تشتت السلطة وتوزيعها بين الأشخاص والمستويات الإدارية المختلفة في المنظمة أو على مستوى الدولة)، ويصف ليونارد وايت اللامركزية كمفهوم شامل بأنها (نقل السلطة، تشريعية كانت أو اقتصادية أو تنفيذية من المستويات الحكومية العامة إلى المستويات الدنيا)، ويرى هنري ماديك إنّ اللامركزية تتكون من مصطلحين: الأول هو التفكيكية ويقصد بها (تفويض الإدارة المركزية السلطات المناسبة إلى الإدارات البعيدة عنها جغرافياً للقيام بمهام معينة عهدت بها إليهم)، والثاني هو التخويل ويقصد به (تحويل السلطات الدستورية المحلية الصلاحيات اللازمة للقيام بوظائف أو مهام معينة أوكلت إليهم).

انّ توزيع السلطات بين المستويات الحكومية العليا والدنيا (وهو بطبيعة الحال ينطبق على الصلاحيات الممنوحة للأقاليم مثلما ينطبق على صلاحيات مجالس المحافظات والمجالس البلدية) لا يتعلق بنوع السلطة بقدر ما يتعلق بكمية السلطة المفوضة إلى المستويات الدنيا، فعدد القرارات، وأهميتها، وتعدد المهام، ومدى الرقابة المفروضة، قد يحدد مقدار اللامركزية التي تتمتع بها الأطراف الدنيا.

أنواع اللامركزية

1-اللامركزية الجغرافية: وتتمثل في عملية توزيع السلطة بين أقاليم ومحافظات ومناطق القطر الواحد التي تتمتع بشخصية معنوية تناط بمجلس محلي ينتخب جميع أو بعض أعضاءه من قبل مواطني الإقليم ويكون له صلاحية وضع ميزانية مستقلة واتخاذ القرارات الإدارية المتعلقة بإدارة المشروعات والمرافق العامة في حدود ذلك الإقليم أو المحافظة، ويطلق البعض على هذا النوع من اللامركزية الإدارية بالإدارة المحلية أو إدارة الأقاليم والمحافظات.

2-اللامركزية الوظيفية: وتتمثل في عملية توزيع السلطات والصلاحيات فقط على المستويات الهرمية وبين الأقسام المتخصصة داخل المنظمة أو الوزارة الواحدة، وتبرز الحاجة إلى هذا النمط الإداري كلما اتسعت مهام المستويات العليا وزادت أعمالها وضاق وقتها عن تسيير الأمور بكفاءة وفعالية.

3-اللامركزية السياسية: وهي عملية قانونية يتم بموجبها توزيع الوظائف الحكومية المختلفة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) بين الحكومة الموجودة في مركز البلد والسلطات الموجودة في المراكز الأخرى التابعة لهذا البلد نفسه وينتج عن هذا التوزيع نوع من نظام الحكم يسمى (بالإتحاد الفدرالي)، فالإتحاد الفدرالي يتكون من عدة حكومات مركبة تشكل بمجموعها إتحاداً واحداً، فكلّ ولاية حكومة، ولكلّ حكومة سلطات ثلاثة: تشريعية وتنفيذية وقضائية وغالباً ما نلاحظ هذا النمط من الحكم في الدول المركبة من ولايات كالولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا والأرجنتين والبرازيل والمكسيك والإتحاد السوفيتي السابق ويوغسلافيا وأستراليا والهند وإندونيسيا وغيرها.

اما مزايا اللامركزية من الناحية السياسية:

1. تعيق الإنفراد والاستئثار في السلطة.

2. تزيد من فرص المشاركة السياسية في المجتمع.

3. تجعل مطابقة القرارات التي تتخذها الأقاليم لمصالحها السياسية أمراً ميسوراً.

4. تساهم في تعزيز الوحدة الوطنية في الدول المتكونة من شرائح قومية أو دينية متنوعة.

عيوب اللامركزية

1. إضعاف السلطة المركزية، الأمر الذي سيؤدي إلى إضعاف التنسيق بين المركز والأقاليم، وبين الأقاليم نفسها، والتي هي من مسؤولية الإدارة المركزية.

2. تجاوز سلطات الأقاليم والإدارات المحلية على الخطط الموضوعة في المركز مما ينعكس في إضعاف تنفيذ السياسات العامة للدولة.

3. زيادة الأعباء المالية بسبب تكرار بعض الوحدات كالشؤون القانونية والإدارية على المستوى المحلي.

4. الحاجة إلى تشديد الرقابة على أنشطة الوحدات المحلية.

5. الميل إلى الاستقلال وخاصة إذا رافق اللامركزية مشاعر العداء القومي أو الديني أو العرقي.

عوامل مؤثرة في اللامركزية

1-الفلسفة التي تؤمن بها الإدارة أو الدولة، فالسلطات القائمة على أيدلوجية دكتاتورية لا تحبذ اللامركزية، بينما تميل السلطات القائمة على أيديولوجية منفتحة على الشعب والتي تعتمد مبدأ المشاركة الشعبية إلى اللامركزية.

2-حاجة الأمة، فالأمة التي تتكون من شرائح قومية وعرقية متنوعة تكون بحاجة إلى اللامركزية لأنها تحقق بواسطتها وحدتها الوطنية وتعتبر أفضل وسيلة لمواجهة أخطار الانفصال والتقسيم.

3-وعي الأمة، فكلما زاد الوعي السياسي ازدادت الرغبة لدى الشعب بالمشاركة السياسية، واللامركزية هي احدى وسائل المشاركة السياسية في الحكم.

4-تعدد العوامل الثقافية كاللغة والمعتقدات الدينية والمذهبية، يدعو إلى استخدام النظام اللامركزي للإفادة منه كوعاء يضم هذه التعددية ويساهم في ضمان مشاركة الجميع في برامج التنمية.

5-التشتت الجغرافي يدعو إلى تطبيق النظام اللامركزي لإدارة امور هذه الأقاليم كما بينا هذه النقطة سابقاً.

معوقات تشكيل الأقاليم في العراق

ويرى الدكتور قحطان الحسيني، الباحث في مركز المستقبل، إن التأمل في فشل المحاولات السابقة لتشكيل الأقاليم في العراق (باستثناء إقليم كردستان الذي فرض نفسه كأمر واقع) يكشف لنا الستار عن بعض الصعوبات والمعوقات التي تحول دون تطبيق النظام الفيدرالي في العراق، ولعل من أهم هذه المعوقات:

1. حداثة مفهوم النظام الفيدرالي في الثقافة العراقية بحيث إنها تثير مخاوف التقسيم أكثر منها وسيلة لتنظيم شكل النظام السياسي وتحقيق التوازن بين الحكومة الفيدرالية والأقاليم.

2. لم تلق فكرة تشكيل الأقاليم في العراق الاهتمام الكافي في مدركات النخبة السياسية الحاكمة في العراق، ولم تفكر فيها هذه النخبة بشكل جاد كإحدى الحلول المقترحة لإنهاء المشكلات السياسية في العراق وذلك بسبب طبيعة الظروف غير المستقرة التي تسود البلد والمتمثلة بغياب الفلسفة السياسية الواضحة المعالم التي يقوم عليها النظام السياسي العراقي.

3. إن طبيعة ومعالم النظام الفيدرالي المناسب للتطبيق في العراق تكاد تكون غامضة وغير واضحة للأغلبية العظمى من العراقيين، وذلك بسبب حساسية الوضع السياسي وتعقيدات العملية السياسية التي مازالت تعاني من أزمات متتالية، وأجواء عدم الثقة السائدة بين مكونات الشعب العراقي، الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة عن شكل النظام الفيدرالي الصالح للعراق وفيما إذا كان يستند إلى أساس قومي أو طائفي أو جغرافي أو إداري.

4. غياب العوامل اللازمة لنجاح النظام الفيدرالي في العراق، فغياب الاستقرار الأمني والسياسي، ووجود نزاعات ومشاكل حدودية وإدارية فيما بين المحافظات العراقية، وعدم وجود رؤية واضحة ومحكمة لكيفية إدارة الأقاليم المقترحة، وطريقة توزيع الصلاحيات فيما بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، كل ذلك جعل مجرد التفكير في إقامة النظام الفيدرالي بمثابة المسير إلى المجهول.

5. إن الظروف الإقليمية والدولية التي تحيط بالعراق جعلت من العراق ساحة لتصفية الحسابات ما بين الدول المتنازعة والمتصارعة فيما بينها بسبب اختلاف المصالح والإيديولوجيات، ولا يخفى على أحد حجم التدخلات في الشؤون الداخلية العراقية التي تقوم بها دول مجاورة للعراق منها إيران والسعودية وتركيا فضلا عن حجم التأثير الأمريكي في مجريات القرار السياسي العراقي، وقد ينعكس التنافس على المصالح في العراق فيما بين هذه الدول بشكل خطير على مقومات الوحدة الوطنية العراقية، لأنه قد يقود إلى هيمنة كل دولة من هذه الدول على الإقليم الذي يتقارب معها في المصالح وبذلك تتهدد وحدة العراق.

6. ضعف الحكومة المركزية وعدم فعالية مؤسساتها وعجزها عن بسط سلطتها على كل الأقاليم المحتملة التشكيل، مع وجود النزعات الانفصالية لدى بعض الأطراف العراقية خصوصا الكرد، مما يخلق صعوبة في تطبيق الفيدرالية بصورة تضمن تحقيق التوازن في الصلاحيات والسلطات بين الحكومة المركزية والأقاليم كما هو الحال في الولايات المتحدة، وما سيحدث هو تطبيق فيدرالية هشة وضعيفة لا تمتلك فيها الحكومة الاتحادية مقومات الدولة خاصة الدفاع والخارجية والمالية والأمن.

7. إن تشكيل الأقاليم يتطلب تأسيس مجالس تشريعية وحكومات محلية ووزارات وممثليات في الخارج ومؤسسات وأجهزة أمنية خاصة بكل إقليم وهذا يستوجب زيادة في حجم الإنفاق المالي بشكل كبير، مما يؤدي إلى إنهاك الميزانية العامة للدولة في ظل أجواء التدني المستمر لمصدر الدخل الرئيسي للعراق وهو النفط وبالتالي تهديد الاقتصاد العراقي بالانهيار.

8. تحفظ المرجعية الدينية في النجف الاشرف على تشكيل الأقاليم انطلاقا من وجهة نظرها الخاصة التي تفضل بقاء العراق دولة بسيطة وليس مركبة، وهي التي تتبنى خطابا عاما ينطوي على عدم تشجيع أي خطوة تمهد لتقسيم العراق، ونظرا لتأثير المرجعية الدينية الكبير على النخب والأحزاب السياسية وعموم الجمهور، فأن تحفظها على فكرة الأقاليم يعد مانعا رئيسيا لتطبيق النظام الفيدرالي في العراق.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث/المنتدى السياسي

http://mcsr.net

..................................

المصادر

1-روبرت م. ماكفير، تكوين الدولة، ترجمة الدكتور حسن صعب، دار العلم للملايين، ط2، ص 202.

2-ويكبيديا، الموسوعة الحرة.

3-جمال ناصر جبار الزيداوي، اختصاصات الأقاليم والمحافظات في العراق، دراسة.

4. شبكة النبأ المعلوماتية، د قحطان حسين طاهر، معوقات تطبيق النظام الفدرالي في العراق.

ارسال التعليق

Top